قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عن الكاتب :
عالم ومفكر اسلامي كبير، واستاذ في الحوزة العلمية، توفي(٤/٦/٢٠١٥)

رحلة الشهادة في القرآن الكریم (2)

البیعة طاعة وتضحیة:

ولا بُدّ فـي البـیعة من أمـرین:

1 ـ الطـاعة والانـقیاد.

2 ـ التضحیة والعطاء.

قال ابن عمر: «كنّا‌ نـبایع‌ رسـول اللّه صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله علی السمع والطاعة» (صـحیح البـخاري، كتاب الأحكام، بـاب البـیعة وصحیح مسلم، كتاب الإمـارة، بـاب البیعة علی السمع والطاعة 6: 29‌. دار الفكر).

وعن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله: «عـلی المـرء المسلم السمع والطاعة فیما أحب وأكـره، إلاّ‌ أن‌ یؤمر بمعصیة فـاذا أُمـر بمعصیة فلا سمع ولا طاعة» (مسند أحمد بن حنبل 2: 17 و 142).

وعـن یـزید بن أبي عبید مولی سلمة بن الأكوع قال قلت لسلمة: علی أي شيء بـایعتم رسـول‌ اللّه‌ صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله‌ یوم الحدیبیة؟

قال: عـلی‌ الموت (صحیح مسلم، كتاب الإمارة، بـاب اسـتحباب مبایعة الإمام 6: 27. دار‌ الفكر‌).

فلا تستقیم الدعـوة ومـسیرتها، ولا تحقق أهـدافها مـن دون‌ هذین الأمرین.

والطاعة والتضحیة أمـران متلازمان وهما یساویان التخلّي الكامل عن النفس ورغباتها ومشتهیاتها للّه تبارك وتعالی؛ والجنة‌ هي‌ الثمن الذی یـتقاضاه الإنـسان المؤمن إزاء ذلك.

 

آیة البیعة:

والبیعة بهذا‌ المحتوی‌ الرفیع لن تـكون إلاّ مـع اللّه تـعالى، وأمـّا الذیـن یبایعون النبی صـلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله فـإنّما یبایعون‌ اللّه‌: ﴿إنّ الذین یبایعونك إنّما یبایعون اللّه ید اللّه فوق أیدیهم فمن‌ نكث‌ فإنّما‌ ینكث علی نـفسه ومـن أوفى بما عاهد علیه اللّه فسیؤتیه أجرًا عظیمًا﴾( الفتح: 10).

فـلا‌ تـكون‌ البـیعة بـالمحتوی الذي شـرحناه مـع طرف آخر غیر اللّه، ولا یصح أن یتجرّد‌ الإنسان‌ مّما أتاه اللّه تعالى لغیر اللّه.

ولكلمة ﴿إنّما﴾ في قوله تعالى‌: ﴿إن الذین یبایعونك إنّما یبایعون اللّه...﴾ ذات دلالة عمیقة؛ فهي تأتي‌ لحصر‌ البیعة والولاء باللّه تعالى ونفي أیـة بیعة أخری غیر البیعة للّه.

﴿... ید‌ اللّه‌ فوق أیدیهم...﴾ فالید التي یصافحونها في البیعة وإن كانت ید النبي صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله ولكنها‌ تمثل‌ ید اللّه، وعلوها من علو ید اللّه، هذه الجملة تقرر‌ عدة‌ حقائق‌ إیـمانیة وسـیاسیة في وقت واحد، فلا بدّ في هذه البیعة من ید أعلی فوق‌ أیدیهم‌، ومن دون هذا العلو لا تتم الولایة والبیعة والطاعة. ولا بدّ‌ أن‌ یكون هذا العلو علوًّا حقیقیًّا، فاستعلاء بـعض النـاس علی بعض لیس من ذلك، وإنما‌ هو‌ من الاستكبار الذي یمقته اللّه تعالى.

و﴿ید اللّه﴾ هي‌ العلیا‌ في هذه البیعة ﴿...ید اللّه‌ فوق‌ أیدیهم‌...﴾ وهي وحدها الحـریّة بـالبیعة والطاعة‌ والولاء‌؛ أمّا ید النبي صـلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله فـلیست هي المقصودة بالذات في هذه البیعة‌، وإنّما المقصود ید‌ اللّه، وتكتسب‌ العلو‌ والولایة من اللّه.

وهذه الحقائق بمجموعها‌ ترسم‌ لنا الأبعاد الكاملة لتوحید الولاء، وهو بعد (توحید الإیمان بـاللّه‌) یـعتبر الأساس والركیزة لبناء المـجتمع الإسـلامي‌، وتنظیم شبكة العلاقات‌ داخل‌ المجتمع؛ فالذي یتأمّل في‌ نسیج‌ (العلاقات) داخل المجتمع الإسلامي، سواء ما یتعلّق منها بالعلاقة باللّه‌ ورسوله‌ وأولیائه والقیادة الإسلامیة (العلاقة‌ العمودیة‌) أو العلاقات التي‌ تربط‌ أعضاء المـجتمع الإسـلامي بعضهم‌ ببعض‌ (العلاقات الأفقیة) یجد أنّ هذه العلاقات تكوّن جمیعًا شبكة واحدة ونظامًا واحدًا‌ یسمی‌ بـ ﴿الولاء﴾، ولیست‌ مجموعة‌ من الشبكات‌ والأنظمة‌، وأنّ هذه الشبكة الواحدة‌ تنبع من مصدر واحد وهـو الارتـباط باللّه تـعالى، والولاء له (بمعنی الطاعة والنصرة‌ والحب‌) ومن هذا المصدر تتشعب وتنبع‌ العلاقات‌ العمودیة‌ والأفقیة‌ الأخری‌. وهذا هو‌ الذي‌ نـقصده بتوحید الولاء.

ولا بدّ من هذه البیعة في كل جولة للدعوة في الحـیاة، وفـي‌ كـل‌ مرة‌ تتصدی فیها الدعوة لإقامة الدولة وتتعرّض فیها‌ الدولة‌ لتحدیات‌ الجاهلیة‌، وذلك‌ لتعمیق العلاقة بالقیادة وتعمیق الإحساس بالمسؤولیة الكـبیرة ‌فـي قیام الدعوة والدولة، وتوطین النفوس للطاعة والتضحیة والتجرد للّه.

أربع بیعات في حیاة رسول اللّه صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله:

وقد دعـا‌ رسـول اللّه صـلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله المسلمین إلى البیعة أربع مرات في حیاته المباركة:

1 ـ بیعة العقبة الأولى.

2 ـ البیعة الكبری بالعقبة.

3 ـ بیعة الرضوان أو بـیعة الشجرة (تراجع‌ تفاصیل هذه البیعات فی كتاب «معالم المدرستین» للعلامة المحقق السید مرتضی العـسكري 1: 88 ـ 89.).

4 ـ بیعة الغدیر.

والبیعة الأولى كانت تـخص أمـر‌ التعهد‌ بالدعوة والتزامها وتبنّیها، والبیعة الثانیة والثالثة والرابعة، كانت تتعلق بأمر الدولة وبنائها وحمایتها.

البیعة الأولى:

قال عبادة بن الصامت: «...‌ بایعنا رسول اللّه صلی ‌الله ‌علیه‌ و‌آله بیعة‌ النساء‌، وذلك قبل أن یفترض علینا الحرب، علی أن لا نشرك باللّه شیئًا، ولا نسرق، ولا نـزني، ولا نقتل أولادنا‌، ولا نأتي ببهتان نفتریه‌، من بین أیدینا وأرجلنا، ولا نعصیه في معروف. فإن وفیتم فلكم الجنة، وإن غشیتم من ذلك شیئًا فأخذتم بحدّه في الدنیا فهو كفارة له، وإن سترتم‌ علیه‌ إلى یوم القیامة فأمركم إلى اللّه عـزّ وجـل، إن شاء عذّب، وإن شاء غفر» (سـیرة ابـن هـشام 2: 75. ط. مصطفی البابي الحلبي).

البیعة الثانیة:

قال كعب بن مالك: «خرجنا من المدینة للحج‌ وتواعدنا‌ مع رسول‌ اللّه صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله بـ (العقبة) أواسط أیام التشریق، وخرجنا بعد مضي ثلث اللیل متسللین مستخفین‌، حـتی اجـتمعنا فی الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً‌ وامرأتان‌، فجاء رسول اللّه ومعه عمه العباس فتكلّم رسول اللّه صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله فتلا القرآن، ودعا إلى اللّه ورغّب ‌‌في‌ الإسلام ثم قال: أبایعكم على أن تمنعوني مـما تـمنعون نساءكم وأطفالكم، فأخذ‌ البراء‌ بن معرور بیده، ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع به‌ أزرنا (نساءنا) فبایعنا یا رسول اللّه فنحن واللّه أهل الحروب‌.

فقال أبو الهیثم بن‌ التیهان‌: یـا رسـول اللّه إنّ بیننا وبین الرجال حبالاً، وإنّا قـاطعوها (یـعني الیهود) فهل عسیت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك اللّه أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسّم رسول اللّه صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله ثم قال: بل الدم الدم والهدم الهدم، أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم (سیرة ابن هـشام 2: 84 ـ 85).

قال‌ ابن قتیبة: «كانت العـرب تـقول عند الحلف والجوار دمي دمك وهدمي هدمك، أي: ما هدمت من الدماء هدمته أنا».

البیعة الثالثة:

وهي بیعة الرضوان أو‌ «بیعة الشجرة» فـي سـنة سـبع من الهجرة استنفر رسول اللّه صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله أصحابه للعمرة، فخرج معه ألف وثـلاثمائة أو ألف وستمائة، ومعه سبعون بدنة، وقال: ألست‌ أحمل السلاح إنما خرجت معتمرًا، وأحرم من ذي الحلیفة وصاروا حتی دنوا مـن الحـدیبیة عـلی تسعة أمیال من مكة، فبلغ الخبر أهل مكة، فراعهم واستنفروا مـن‌ أطـاعهم‌ من‌ القبائل حولهم، وقدموا مائة‌ فارس‌ علیهم‌ خالد بن الولید أو عكرمة بن أبي جهل، فاستعدّ لهـم رسـول اللّه صـلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله وقال: إنّ اللّه أمرني بالبیعة، فأقبل‌ الناس‌ یبایعونه علی ألاّ یفرّوا، وقیل بایعهم عـلی‌ الموت (إمـتاع‌ الأسـماع للمقریزي: 274 ـ 291. ویراجع ابن هشام 3: 330، ط. مصطفی‌ البابي‌ الحلبي).

البـیعة الرابـعة:

وهي بیعة الغدیر المعروفة، ومنها أخذ رسول اللّه صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله البیعة من المسلمین ـ وقد روی‌ أنّهم‌ یـومذاك فـي غـدیر خم مائة وعشرون ألف شخص ـ لعلي‌ بن أبي طالب علیه ‌السلام من بعده بالإمامة وقیادة الدولة مـن بـعده والحادث معروف یرویه عدد كبیر من أرباب‌ الحدیث‌ والسیر‌ والتأریخ.

 

﴿یقاتلون فی سبیل اللّه﴾:

نعود مرة أخـری للحـدیث‌ عـن‌ آیة‌ الشهادة فی القرآن: ﴿... یقاتلون في سبیل اللّه فیقتلون ویُقتلون وعدا علیه‌ حقّا‌ في التوراة والإنـجیل والقـرآن...﴾ وهذه ثلاث قضایا مقترنة ببعضها لا یمكن‌ تفكیكها‌ وتجزئتها‌ ولا یمكننا أن نفهمها فهمًا صـحیحًا إلاّ بـهذه الصـورة المتّصلة، وضمن هذا الإطار‌ الواحد‌ الذي یرسمه القرآن ﴿یقاتلون... فیَقتلون وَیُقتلون...﴾ وتلك هي‌ القضیة‌ الأولى‌.

وفي سـبیل اللّه ولیـس فـي سبیل الطاغوت، وعلی طریق الدعوة إلى اللّه. ومن‌ أجل‌ تقریر ألوهیة اللّه علی وجه الأرض وبـلوغ رضـوانه ومرضاته، وتلك القضیة‌ الثانیة‌ فی‌ هذه الكلیة.

وهذا الوعد بالجنة، وهذه الدعوة إلى القتال وهذه المبایعة لا تخص الذیـن‌ قـاموا‌ مع‌ النبي الأمي صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله لتطهیر الأرض من الطاغوت وتقریر ألوهیة اللّه علی وجه‌ الأرض وإنّما هي سنّة قدیمة للّه تعالى في عباده مـنذ التـوراة والإنـجیل، ومنذ حیاة الأنبیاء السابقین‌ علیهم ‌السلام‌ إلى الیوم.

وشأن هـذه الأمـّة الیوم شأنها في زمن موسی وعیسی علیهما السلام‌ ومن‌ قبلهما من الأنبیاء والمرسلین، لن تـنال‌ رحـمة‌ اللّه‌ ورضوانه إلاّ بتحكیم ألوهیة اللّه، وحـاكمیته‌ عـلی‌ وجه الأرض، ولن تـحقق حـاكمیة اللّه عـلی وجه الأرض إلاّ من خلال‌ هذه‌ المعاناة والقـتال والدمـاء: ﴿أم‌ حسبتم أن‌ تدخلوا‌ الجنة‌ ولما یأتكم مثل الذین خلوا من‌ قـبلكم‌ مـستهم البأساء والضراء...﴾ (البـقرة: 214) ، مسیرة واحدة مخضبة بـالدم، منذ‌ عهد‌ موسی وعـیسی عـلیهما السلام، ومن قبلهما‌ من الأنبیاء إلى أن یـتولى‌ المهدي من آل محمد علیه‌ السلام‌ تطهیر‌ الأرض من رجس الطغاة وعبثهم وفسادهم وإلى أن تقوم القیامة، ویـنشر النـاس‌ للحساب‌ وتلك القضیة الثالثة فـي هـذه‌ الكـلیة‌ التی‌ یعرضها هـذا النـص‌ العجیب‌ من كتاب اللّه تـعالى‌.

 

حتمیة القتال في مسیرة الدعوة:

ومن هذه النقاط الثلاث نستطیع أن‌ ندرك‌ التصوّر الإسلامي الكامل لمـسألة القـتال، ضرورة‌ حتمیة من‌ ضرورات‌ الدعوة‌ إلى اللّه تـعالى، ولا یـمكن تفكیك مـسیرة الدعـوة إلى اللّه عـنه، وهذه الضرورة والحتمیة لیـست قضیة جدیدة‌ في‌ مسیرة الدعوة، وإنّما هی ضرورة‌ تأریخیة‌ وحتمیة‌ من‌ الحتمیات‌ التأریخیة للدعوة إلى‌ اللّه‌.

فإنّ الدعوة إلى اللّه لا یمكن أنْ تشق طریقها عـلی وجـه الأرض إلى قـلوب النـاس وعـقولهم‌، ولا‌ یمكن أنْ تـتحرك الدعـوة إلى اللّه لتحریر‌ عقول‌ الناس‌ وقلوبهم‌ من‌ «الإصر» و «الأغلال»، دون أنْ تواجه سخط الجاهلیة وتحدّیها، وغضبها، ذلك أنّ الدعوة لا تـتحرك فـي خـلاء سیاسي واقتصادي واجتماعي، وإنّما تتحرك في المـساحة التـي تـحتلها الجـاهلیة مـن قـبل، أو ترید احتلالها، وتتحرك علی حساب نفوذ وسلطان وطموحات الجاهلیة فی هذه المساحات، ولا یمكن أنْ تواجه الجاهلیة‌ تقدم‌ الدعوة ومسیرتها بالسكوت والاستسلام وتفسح الطریق لها.

إنّ الذین یتصوّرون أنّ الدعوة تتحرك في منطقة فراغ سیاسیة واجتماعیة واقتصادیة بعیدون عن الواقع وعلی درجة عالیة من السذاجة والبساطة في‌ فهم‌ الأمور، والأمر الواقع أن الإنسان الذي تحرره الدعوة من الإصر والأغلال یخسره الطـاغوت ولن یـعود أداة طیّعة له، وموضعًا لاستثماره. وعلیه‌ فلا یمكن أنْ تتقدم الدعوة‌ علی‌ وجه الأرض من دون أنْ تواجه تحدیًا قویًا من الجاهلیة، ومواجهة حادّة من الطاغوت ومعارضة بكل الوسائل الممكنة من قبل أقـطاب الجـاهلیة وأئمة‌ الكفر‌.

وللجاهلیة محاور وولاءات كثیرة‌، لكنها جمیعًا تجتمع عند هذه النقطة في مواجهة محور الولاء للّه، وتتناسی كل ما لدیها من خلافات قدیمة وحدیثة، لمواجهة العـدو المـشترك الذي یصادر وجودها جمیعًا.

إنّ الجاهلیة‌ فـیما‌ بـینها ولاءات متعددة ومتقاطعة أحیانًا ولكنّها في مواجهة الإسلام كتلة واحدة وبراءة واحدة، وهذه الحقیقة تجعل من الجاهلیة مواجهة صارمة وعنیفة لمسیرة الدعوة.

 

المواجهة المصیریة بین الإسلام والجاهلیة:

هذا هـو‌ التـصوّر‌ الواقعي لمسیرة‌ الدعوة والمـواجهة الجـاهلیة لها، ولا تنتهي هذه المواجهة والتحدي الجاهلي إلاّ عند التصفیة الكاملة لحركة الدعوة‌ والمصادرة الكاملة لإرادة الإنسان، والسیطرة الكاملة علی كل مساحات الدعوة‌، والإنهاء‌ الكامل لكل مراكز ومواقع الدعوة إلى اللّه، وكل مراكز ومواقع الاسـتجابة لدعـوة اللّه تعالى وإلى هذه ‌‌الحقیقة‌ في تركیب وبنیة الجاهلیة یشیر القرآن الكریم: ﴿... ولولا دفع اللّه‌ الناس‌ بعضهم‌ ببعض لهدمت صوامع وبیع وصلوات ومساجد یذكر فیها اسم اللّه كثیرًا...﴾( الحج: 40)، لا‌ تتوقف الجاهلیة إلاّ عند تصفیة هذه المـراكز جـمیعًا: البیع، والصـلوات، والمساجد، وكل موقع‌ ومركز‌ یذكر فیه اسم اللّه ویدعا فیه إلى اللّه تعالی.

ولا سبیل إلى إیقاف الجاهلیة وصدّها عن العدوان وعـن الفتنة فی طریق الدعوة إلاّ بالقتال والجهاد واستئصال الكفر والجاهلیة ﴿وقاتلوهم حـتی‌ لا تـكون فـتنة ویكون الدین للّه...﴾ (البقرة: 193‌).

فالقتال إذن ضرورة من ضرورات الدعوة، ولا یمكن أن تنطلق مسیرة الدعوة علی وجه الأرض من دون قتال ودم، ولا‌ یمكن‌ أن تـؤدي ‌الدعـوة رسالتها علی وجه الأرض دون أن تعدّ الإعداد الكامل لهذه الحرب المصیریة والحضاریة ودون أن توطن نفسها لهـذه المـواجهة العـنیفة التي لا ترحم صغیرًا ولا كبیرًا؛ والتفكیر‌ فی المصالحة والهدنة والتفاهم مع الجاهلیة تفكیر ساذج، وغیر واقـعي وغیر مبدئي في نفس الوقت. فلیس لنا مع الجاهلیة، والطاغوت غیر خـیار واحد، وقرار واحد، وهـو الاسـتمرار في القتال (ضمن مراحل العمل والحركة) حتی یتم القضاء الكامل علی الجاهلیة وبها یتم القضاء الكامل علی الفتنة‌ علی‌ وجه‌ الأرض: ﴿وقاتلوهم حتی‌ لا‌ تكون‌ فتنة ویكون الدین للّه...﴾.

 

الإیمان باللّه یساوي التخلّي عن الأنفس والأموال:

ولا بُدّ أنْ نقف وقفة أخری‌ عند‌ كلمة: ﴿إن اللّه اشتری من المؤمنین أنـفسهم وأمـوالهم...﴾ فـإنّ الآیة الكریمة تفرز‌ قضیة‌ هذا البیع والشراء بصیغة الماضي، ولیس بـصیغة المـضارع ﴿إن اللّه‌ اشتری‌ من المؤمنین...﴾ من كل المؤمنین‌ دون‌ تخصیص‌.

إنّها لآیة رهیبة حقًّا تهز الإنسان‌ مـن‌ الأعـماق وتـشعر الإنسان بعمق معنی الإیمان وبثقل الإیمان الكبیر، فكل إیمان بیعة‌ مع‌ اللّه، وكـل مـن آمـن‌ فقد‌ باع نفسه‌ للّه‌ وتخلّی‌ عن نفسه وماله له تعالی من‌ دون‌ تردد، إنّ القـضیة أعـمق مـن الاستعداد للتخلي، إنّه هو التخلّي‌ الفعلي عن النفس والمال للّه، وهذا‌ هو معنی (البیع‌) و(الشـراء) ولیـس‌ الاستعداد‌ للتنازل عن الأنفس والأموال، وإنّما التخلّي الفعلي عن كل شیء یملكه للّه‌ تـعالی‌ مـن دون تردد، ولا‌ تراجع‌، ولا نظرة إلى‌ الوراء‌، فقد تمّ البیع‌ وتمت‌ الصفقة وحسم الأمر، فلا إقالة ولا رجـعة.

وهكذا كـان یفهم المسلمون الأوائل هذه‌ الآیة‌ الكریمة عندما كبّروا لـمّا تلا رسول‌ اللّه‌ صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله هـذه‌ الآیـة‌ المـباركة‌ علیهم، وقال قائلهم‌: «بیع ربیح لا نقیل ولا نستقیل».

 

وثیقة البیع:

وأمّا الوفاء بالثمن‌ ووثیقة‌ البیع فإنّ الشـاري هـو اللّه تعالی‌ وهو‌ المتعهد‌ بالثمن‌، ومن أوفى بعهده‌ من‌ اللّه؟ وإنّ المؤمن لیتصور هذا الثـمن الكـبیر البـاقي لهذه البضاعة، ثم یعلم أنّ اللّه تعالى‌ هو‌ الذي‌ یتولى الوفاء بهذا العهد فتمتلئ نفسه غـبطة‌ وراحـة‌ ویـقینًا‌ ویطمئن‌ قلبه‌ بعهد‌ اللّه تعالى ومیثاقه.

ومن عجیب أمر هذا البیع والشراء وثیقة هـذا البـیع، فإنّ وثائق البیوع تختلف باختلاف أهمیة درجة البیع وقیمته، وإذا كان المشتري في‌ هذا البیع هو اللّه تـعالى والبـضاعة هي الأنفس والأموال والثمن الجنة، فلا بُدّ أن تكون وثیقة هذا البیع عـلی قـدر قیمته، وأعزّ الوثائق كتب اللّه تعالى وألواح الوحي‌ المـرسلة‌ إلى أنـبیائه؛ ووثـیقة هذا البیع من هذا النوع: التوراة والإنـجیل والقـرآن، وناهیك بها من وثائق تبعث الطمأنینة والثقة في أضعف النفوس.

ولأمر ما یأتي فـي هـذه‌ الآیة‌ الكریمة تأكید الموثق فـي هـذا البیع ویـأتي ذكـر المـواثیق الذي سجل اللّه تعالی فیه عهده لعباده بـالجنة ویـأتي قوله تعالی: ﴿... ومن‌ أوفى بعهده من اللّه..﴾ (التوبة: 111).

فإنّ القلوب كلما كانت تطمئن أكـثر لوعـد اللّه أقدمت علی هذه المبایعة مع اللّه بـثقة ویقین أكبر. والضعف فـي الاطـمئنان لا ینافي‌ الإیمان‌؛ فقد یكون الإنـسان‌ مـؤمنًا‌ ولكن لم یبلغ في تعامله مع اللّه تعالى درجة عالیة من الیقین والاطمئنان، ومثل هـذا الإیـمان یشوبه الكثیر من الضعف والتـخلف عـند المـبایعة والاستجابة لدعوة اللّه تـعالى.

وأما عـندما‌ ترتفع‌ درجة ثقة الإنـسان بـوعد اللّه تعالى إلی مستوی (الطمأنینة) و(الیقین) فإنّ الأمر یختلف بالنسبة إلیه اختلافًا كبیرًا وتكاد تكون (الجـنة) ثـمنًا مقبوضًا والبیع‌ نقدًا‌، ولیس‌ الثمن مـوعودًا.

إنّ الذیـن رزقهم اللّه الطـمأنینة والیـقین یـرون وعد اللّه حاضرًا ویرون الجـنة ماثلة أمام أعینهم‌، فلا یشكون، ولا یترددون، ولا یحجمون، ولا‌ یساورهم‌ شك‌ ولا ریب، ویقدمون علی المبایعة مع اللّه، مـن دون خـوف، أو ‌‌تراجع‌، أو نظر إلى الوراء، ویقدّمون أنفسهم وأموالهم للّه بـبساطة وارتـیاح ومـن‌ غـیر‌ مـعاناة‌.

روی مسلم أنّ رسـول اللّه صـلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله قال لأصحابه یوم بدر: «قوموا إلى جنة‌ عرضها السماوات والأرض.

قال عمر بن حمام الانصاري: یا رسول اللّه جنة‌ عـرضها السـماوات والأرض؟

قال: نـعم.

قال: بخٍ بخٍ.

فقال رسول اللّه صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله: ما یحملك عـلی قـولك بـخٍ بـخٍ.

قال: لا واللّه یـا رسـول اللّه إلاّ رجاء أن أكون من أهلها.

قال: فإنّك من أهلها.

فأخرج تمرات من قربه، فجعل یأكل منهن.

ثم قال: لئن أنا حییت حتی آكل تمراتي هذه إنها لحیاة طویلة.

قال: فرمی بما كان مـعه من‌ التمر‌ ثم قاتلهم حتی قُتل» (الجامع الصحیح لمسلم 6: 44، كـتاب الإمـارة باب ثبوت الجنة للشهید.).

وروی مسلم عن أبي بكر بن عبد اللّه بن قیس عن أبیه قال: «سمعت أبي، وهو بحضرة العدو یقول: قال‌ رسول‌ اللّه صلی ‌الله ‌علیه ‌و‌آله: إنّ أبواب الجنة تـحت ظـلال السیوف. فقام رجل رثّ الهیئة فقال: یا أبا موسی أنت سمعت رسول اللّه صلی‌ الله ‌علیه ‌و‌آله یقول هذا؟ قال: نعم‌، قال: فرجع إلى أصحابه، فقال: أقرأ علیكم السلام، ثم كسر جفن سیفه فـألقاه، ثـم مشی بسیفه إلى العدو، فضرب به حتی قُتل» (الجامع الصحیح لمسلم 6: 45، كتاب الإمارة باب ثبوت الجنة للشهید).

بمثل هذه البساطة والثقة والطمأنینة‌ كانوا‌ یتعاملون‌ مع اللّه تعالى؛ وقد هازل بریر عبد الرحمن الأنصاري (لیلة عاشوراء)، فقال له عبد الرحمن‌ الأنصاري: ما هذه ساعة باطل! فقال بریر: لقد عـلم‌ قـومي ما أحببت الباطل كـهلاً ولا شـابًّا، ولكني مستبشر بما نحن لاقون؛ واللّه ما بیننا وبین‌ الحور‌ العین‌ إلاّ أن یمیل علینا هؤلاء بأسیافهم، ولوددت أنّهم مالوا‌ علینا‌ الساعة» (تأریخ الطـبري 6: 241).

وخرج حبیب بن مظاهر یضحك، فقال له یزید بن الحصین: ما‌ هذه‌ سـاعة‌ ضـحك یا حبیب!

قال حبیب: وأي موضع أحق بالسرور من هذا‌؟ ما‌ هو إلاّ أن یمیل علینا هؤلاء بأسیافهم فنعانق الحور (مقتل المقرّم: 238).

روی عن جابر أنّ‌ رجلاً‌ قال‌ (في ساحة المعركة): «أین أنا یا رسول اللّه إن قتلت‌؟ قال: فـي الجـنة. فألقی تـمرات كن في یده، ثم قاتل‌ حتی‌ قُتل» (صحیح‌ مسلم‌ 6: 43.)

 

والثمن هو الجنّة:

ثمّ إنّ الجنة هي الثمن فی هذه المبایعة ﴿...‌ بـأنّ‌ لهم الجنة﴾ ویستتبع الوعد بالجنة البُشری السارة التي یزفها القرآن إلى المـجاهدین‌: ﴿...فـاستبشروا بـبیعكم الذي بایعتم به وذلك هو الفوز العظیم﴾: الجنة والبشری والفوز‌ العظیم‌.

وتنتهي الآیة الكریمة مرّة أخری بالبشارة ﴿... وبشّر المؤمنین﴾ إن ‌جـو‌ الآیة‌ یطفح بالبشری والسرور والفوز، وهكذا یشعر الإنسان عندما یقرأ هذه الآیة المـباركة أنـه یـنتقل‌ فیها‌ من‌ الجنة إلى البشری، ومن البشری إلى الفوز العظیم، ومن الفوز‌ العظیم‌ إلى البشری ثانیة.

 

الفوز العظیم:

وأودّ أن أقف قلیلاً عند هذه الكلمة‌ ﴿...الفوز العظیم﴾، فـهو مصطلح‌ محدد‌ فی كـتاب اللّه والذي یـتتبع مواضع استعمال هذه‌ الكلمة‌ في القرآن یجد أنّها تستعمل في موارد متقاربة مفهومًا ومترابطة أو متحدة‌ مصداقًا‌، فالجنة من الفوز العظیم‌ ﴿لكن الرسول‌ والذین‌ آمنوا‌ معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم‌ الخیرات‌ وأولئك هـم المفلحون * أعدّ اللّه لهم جنات تجري من تحتها الأنهار‌ خالدین‌ فیها ذلك الفوز العظیم﴾ (التوبة: 88 ـ 89) والمبایعة‌ مع اللّه من الفوز‌ العظیم‌: ﴿...فاستبشروا ببیعكم‌ الذي‌ بایعتم به وذلك هو الفوز العظیم﴾ (التوبة: 111).

وطاعة اللّه وطاعة رسوله (ولایة‌ اللّه) من الفـوز العـظیم‌: ﴿...ومن یطع‌ اللّه‌ ورسوله فقد فاز فوزًا‌ عظیمًا‌﴾ (الأحزاب: 71) ورضوان اللّه وتبادل الرضا بین العبد وربّه من الفوز العظیم: ﴿...رضي اللّه عنهم ورضوا عنه ذلك‌ الفوز‌ العظیم﴾ (المائدة: 119).

ویطلق‌ علی الجنة ورضوان اللّه‌ مـعًا: ﴿وعـد اللّه المؤمنین والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدین فیها ومساكن‌ طیّبة‌ في جنات عدن ورضوان من اللّه‌ أكبر‌ ذلك‌ هو‌ الفوز‌ العظیم ﴾ (التوبة: 72).

ویطلق‌ علی المغفرة والرحمة الإلهیة، والوقایة مـن السـیّئات ﴿وقهم السیئات ومن تق السیئات یومئذ فقد‌ رحمته‌ وذلك‌ هو الفوز العظیم﴾ (المـؤمن: 9).

وإجمال هذه‌ المعاني‌: الرحمة‌ والمغفرة‌ الإلهیة‌ ورضوان اللّه وطاعة اللّه ورسوله (ولایة اللّه والجنة) وهذه النـقاط كـما هي واضحة تعتبر بمجموعها المـحور الثـاني الذي تـحدثنا عنه في هذه التأملات في مسیرة الإنسان إلى اللّه والذي‌ یقابل‌ محور (الأنا) و(الذات).

وعلیه فإنّ الثمن في هذه الآیة الكریمة من جنس البیع وهـو (الفـوز العـظیم) ولیس من نوع آخر كما في سائر‌ البـیوع، حـیث یختلف البیع عن الثمن وهذه من لطائف ورقاق القرآن في هذه الآیة الكریمة.

فالفوز العظیم في الحقیقة هو التجرد مـن‌ مـحور‌ الأنـا والارتباط بمحور ولایة اللّه‌، والخروج من دائرة نفوذ سلطان الأنا والدخـول في دائرة ولایة اللّه وطاعته ورحمته ومغفرته.

وهذا هو الفوز العظیم ـ في رحلة الإنسان الكبری إلى‌ اللّه‌ ـ في الدنیا وفي‌ الآخـرة‌، وهـو یـشمل الإنسان في الآخرة كما یناله في الدنیا علی نحو سواء.

والمتأمل فـي هـذه الآیة المباركة: ﴿الذین آمنوا وكانوا یتقون * لهم البشری فی الحیاة الدنیا‌ وفي‌ الآخرة لا تبدیل لكلمات اللّه ذلك هـو الفـوز العـظیم﴾ (یونس: 63 ـ ‌‌64‌) یجد أنّ الفوز العظیم هو تحرر الإنسان وانطلاقه من أسر (الأنا) والشـهوات وارتـباطه بـاللّه تعالى، وهو لا‌ یخصّ‌ الآخرة وإنّما‌ یشمل الإنسان في الدنیا والآخرة.

فإنّ الجنة هي الفوز العـظیم وهـي مآل الفائزین برحمة اللّه والمنزل الذي‌ أعده اللّه تعالى لهم في الآخرة، فالفوز العظیم إذن هو‌ مبایعة‌ اللّه تـعالى وتسلیم الأنفس والأموال له وهو في نفس الوقت ثمن هذا البیع (لست أرید أن أقـول إن الجـنة هی مبایعة اللّه تعالی وتسلیم الأنفس‌ والأموال‌ للّه‌، وإنّما أرید أن أقول إنّ المبایعة للّه هی الفـوز العـظیم فیتحد البیع والثمن؛ والجنة هي الدار التي أعدها اللّه تعالى في الآخرة للفائزین الصالحین مـن عـباده‌).

 

صفة الذیـن باعوا أنفسهم‌ للّه‌:

ثم تصف الآیة الكریمة هؤلاء الذین باعوا أنفسهم للّه بأنّهم: ﴿التائبون العابدون الحـامدون السـائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنین﴾ (التوبة: 112).

تـائبون عـائدون إلى اللّه، أقـلعوا عن الذنوب وفرّوا إلى اللّه تعالى.

عابدون حامدون شوقًا إلى اللّه تعالى، وأنسًا بذكره وعبادته، لأنّهم وجدوا اللّه أهلاً للعبادة فـعبدوه وأهـلاً‌ للحـمد‌ والثناء فحمدوه.

وسائحون: وقد اختلف المفسرون في تفسیر هذه الكلمة فقالوا: إنّها بـمعنی الصـیام، وقیل: إنّها بمعنی الجهاد، وقیل: إنّها بمعنی‌ التأمل‌ والسیاحة الفكریة في آیات اللّه، وهو المعنی الذي أرجحه هـنا.

الراكعون السـاجدون للّه، والركوع والسجود أقصی درجات الخضوع والتذلل بین یدی اللّه یجسّدان حالة الخشوع والخـضوع والإخـبات‌ والإنابة‌ عند المؤمنین: ﴿...الآمرون بالمعروف والناهون عـن المـنكر...﴾ ﴿والحـافظون لحدود اللّه...﴾ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هـو الرقـابة علی تنفیذ أحكام اللّه‌ ومراقبتها‌. وحفظ حدود اللّه هو تنفیذها‌، والعمل‌ بها.

فهؤلاء المجاهدون إذن مـنفّذون لأحـكام اللّه، عاملون بحدود اللّه، وفي نفس الوقـت یـراقبون تنفیذها، یـنفذون أحـكام اللّه بأنفسهم‌، ویراقبون تنفیذها في حیاة الآخـرین، فـهم یشعرون‌ بالمسؤولیة‌ تجاه حدود اللّه وأحكامه في حیاتهم وفي حیاة الآخرین.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد