٦ـ حيطة المسلمين وحذرهم
من شروط نصرة المؤمنين أن يحذر المؤمنون جيدًا ـ ولا سيما القادة منهم ـ من مكر العدو وحيلته، وأن يكونوا يقظين دائماً حتى لا يقعوا في شراك خداعه، فمن الطبيعي جداً أن لا يتوانى العدو، وحتى يلحق الهزيمة بالمسلمين، ويحقق النصر لصالحه؛ ومن أجل أن يصل إلى مقصده وهدفه، ولا يدخر أي سبيل أو وسيلة لتحقيق ذلك.
ولا جدال أيضاً في أن العدو سيستعمل في حالة الضرورة خططه المخادعة، وحيله الماكرة في سبيل خداع المسلمين وتضليلهم، مثال ذلك: في كثير من الموارد يمكن أن يكون للعدو قصد حقيقي في إكمال الحرب، ولكن حتى يبلغ هدفه بأقل الخسائر، وأوطأ الكلف، أو حتى يوقع بالمسلمين أكثر، ويلحق بهم أفدح الخسائر يخادع ويحتال عن طريق الصلح الظاهر، والسلام المزيف والهدنة والتحكيم، حتى يخدع الرأي العام ويمرر مقاصده ومآربه بحجة ذلك.
من هنا ينبغي على المقاتلين لا سيما القادة العسكريين وأمراء الفرق؛ ولا سيما القائد العام لأن موقعه يؤثر سلباً أو إيجاباً على عامة المسلمين وكل المؤمنين عليهم جميعاً أن يكونوا على أقصى درجات الانتباه واليقظة، حتى لا يكونوا لقمة سائغة لخداع العدو ومراوغته، وحيله، وعليهم المحافظة على المصالح الدنيوية والأخروية للمجتمع المسلم وجيش المسلمين، يقول تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِينَ)[1].
٧ـ كسب العلم على المعرفة
تعرض القرآن الكريم إلى شرط من شروط نصرة المؤمنين في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ)[2]، عندما بيّنا سابقاً من خلالها الشرط الأول من الشروط الاثني عشر.
ففي هذه الآية يذكر الله سبحانه وتعالى أن سبب ضعف الكفار ووهنهم في مواجهة المؤمنين أنهم حرموا الإدراك والفهم العميق للمعرفة الحقة، وفقدوا الدراية بالاعتقاد الصحيح، وأشار إلى هذا الأمر بقوله: (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ)، ونحن هنا ومن خلال قرينة التقابل يمكن أن نفهم عبر هذه الآية أيضاً إحدى نقاط القوة، وعوامل القدرة لدى المسلمين، وهي الإدراك والفهم الرفيع للرؤى العقدية الصحيحة.
إن الكفار إنما يحاربون ويقاتلون من أجل أن يحصلوا على المكاسب المادية ويكسبوا الثروة والقدرة والقوة الدنيوية، ولا يعنيهم البعد المعنوي والحياة الأخروية، ولا يدرون ما هي نتيجة عملهم، ولا يعون غاية سلوكهم ونهاية مصيرهم، وما الذي يحصل لهم بعد الموت، في حين يقدم المؤمنون على القتال ويسيرون إلى ساحات المواجهة بدافع رضا الله وطاعته، ومن أجل التقرب إليه سبحانه وهم بذلك يقارعون أعداء الله وأعداء الإسلام والعدالة.
إن هؤلاء يدركون جيداً ما هي عاقبة عملهم، وما هو المصير والنهاية التي تنتظرهم، وعلى كل حال إن مستقبلهم بين وعاقبتهم واضحة جلية، ويعلمون أنهم منتصرون مرفوعو الرأس سواء حققوا النصر الظاهري وهزموا العدو أم لا، إن جبهة الكفر تتخبط بطريقة عشوائية والجنود الذين يقاتلون في صفها يخطون خطوات عمياء، ولا يدرون لماذا يقاتلون أساساً، ولا يفهمون وضعهم ولإمكاناتهم في هذا العالم، ولا يعرفون من هو عدوهم وخصمهم الحقيقي، وهم في الحقيقية عندما يقاتلون فإنهم يرمون السهم في الظلام، في حين يدرك المؤمنون ما يصنعون عن علم وفهم وبصيرة ومعرفة.
٨ـ وجود التقوى
من أجل نصرة المؤمنين في الحرب يجب أن يكونوا متقين، قال الله سبحانه وتعالى: (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ المَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ)[3].
وعليه إن وجود التقوى والورع هو شرط أساسي وضروري لمن يريد الإمداد الإلهي والإسناد الغيبي، فلو لم يكن المؤمنون المجاهدون متقين، ولم يكونوا زاهدين ورعين، عليهم أن لا يرجو إمدادات استثنائية ودعماً غيبياً من الله.
٩ـ التحلي بالصبر والثبات
الصبر والثبات شرط لنصرة المؤمنين في الحرب، ففي ضوء الآية التي مر ذكرها في الشرط السابق، فإن الصبر والثبات من جملة الشروط في تحقق الإعانة الغيبية من قبل الله تعالى.
كذلك أكدت الآيتين التي أوردناهما في الشرط الأول من الشروط الاثني عشر واعتمدنا عليها في بيانه، إذ أكد الباري تعالى هناك صفة الصبر والاستقامة بعنوانها شرطاً أساسياً وضرورياً في ما يخص المقاتلين المسلمين.
أساساً، وبنحو عام، ومع قطع النظر عن الحرب والجهاد، فإن القرآن ألح على هذا الوصف كثيراً، وفي أكثر من سبعين موضعاً، إما إن يمدح من يتصف بهذا الوصف أو يأمر ويوصي به، ولا سيما أنه يرى دور الصبر والثبات في الحرب والجهاد في سبيل الله دوراً مفصلياً وأساسياً في تحقق النصر على الأعداء.
١٠ـ التوكل على الله
التوكل على الله شرط آخر لنصرة المؤمنين، فإن جميع الآيات المتعلقة بالجهاد تدل على أن الله تعالى اعتنى عناية فائقة، واهتم بهذا الأمر اهتماماً بالغاً.
وعلى المؤمن أن يلتفت إلى هذه الحقيقة، وهي أن النصر والفتح والظفر إنما تأتي من الله تعالى فقط، فلا ينبغي على المقاتلين المؤمنين والمجاهدين المسلمين في الوقت الذي يسخرون جميع الأسباب والوسائل المادية أن يطمئنوا ويظنوا أن توفر الأسباب الظاهرية وأدوات الحرب والقوة الكبيرة هو الذي سيسوقهم إلى النصر على العدو قطعاً؛ بل مع استخدامهم الكامل لكل الأدوات والوسائط والأسلحة القتالية عليهم أن يعتبروا الله سبحانه هو المؤثر الحقيقي فيتوكلون عليه ويعتمدون على لطفه وعنايته ونصره.
وفي إحدى المعارك التي جرت في زمن النبي محمد المصطفى (ص) وهي (معركة حنين) هزم المسلمون هزيمة مذلة، وذاقوا مرارة خسارة المعركة بسبب غفلتهم عن هذا الأمر الهام، عندما اعتمدوا على زيادة العدة والعدد واطمأنوا لكثرتهم، فاغتر المسلمون وابتهجوا عندما شاهدوا العدد الغفير من المجاهدين، فإنهم وعلى الرغم من هذه الأبهة والعظمة الظاهرية في صفوفهم ومعسكرهم وحجم القدرة البشرية، إلا أن كل تلك الجهود والقوى انتهت إلى الهزيمة والانكسار، عندها انتبهوا إلى أن كثرتهم وزيادة أعداد الجيش في معسكرهم هي التي ملأت أعينهم وجعلتهم يغفلون عن ذكر الله والتوكل عليه.
فإن الاغترار بكثرة الجمع أدى إلى العجب والخيلاء، فأدى إلى الضعف والوهن وعدم المبالاة، وكان السبب في عدم الاهتمام بقوة العدو وقدرته الأمر الذي انتهى بجيش المسلمين إلى الهزيمة والخسارة في المعركة، لذلك يقول سبحانه: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ)[4].
١١ـ الدعاء والاستغاثة بالله
الدعاء والاستغاثة بالله تعالى يؤدي الى نصرة المؤمنين، ففي الآية التاسعة من سورة الأنفال عندما بينت الإمدادات الغيبية، والدعم الإلهي في نصرة المؤمنين، ذكرت بعد ذلك: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)[5].
١٢ـ ذكر الله تعالى
الشرط الأخير لنصرة المؤمنين هو أن يلهج المؤمنون دائماً بذكر الله تعالى ويكثروا منه، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ)[6].
فكما تبين من خلال عرض الشروط الاثني عشر التي يحمل بعضها بعداً مادياً وظاهرياً، والجزء الآخر منها فيه بعد وجانب باطني ومعنوي، وكيف كانت هذه الأبعاد فإن المهم هو أن شرط كسب العناية، والتأييد الإلهي، والإمدادات الغيبية هو الالتزام الكامل بهذه الشروط وإنما يتحقق هذا الدعم الرباني فقط في صورة أن يكون المؤمنون بحاجة حقيقية للمساعدة وضرورة ملحة للعون، فيمد الله تعالى يد المساعدة عن طريق السبل الاستثنائية والدعم الغيبي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الأنفال، 58.
[2] الأنفال، 65.
[3] آل عمران، 125.
[4] التوبة، 25.
[5] الأنفال، 9.
[6] الأنفال، 45.
الشيخ محمد باقر الأيرواني
السيد محمد باقر الصدر
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
محمد رضا اللواتي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب
الإمام المهدي (ع) بين التواتر وحساب الاحتمال (1)
فكرة المهدي وجذورها في التاريخ
ما الذي يمكن أن نتعلمه من العظماء؟
شروط نصرة المؤمنين في الحرب بوسائل غيبية كما ورد في القرآن (2)
الفتنة الغالبة (3)
العرفان السياسي كمنشئ لحضارة التوحيد (2)
القمر ليس خاملًا جيولوجيًّا كما كان يُعتقد سابقًا
زكي السالم: كونُك شاعرًا .. هل أنت وغيرك سواء!؟
الفتنة الغالبة (2)
طول عمر الإمام المهدي (عج)