قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

معنى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾

﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾(1)

 

الآية سِيقت بصيغة استفهام التقرير والذي يكون غرضُه حمل المخاطب على الإقرار بالمستفهَم عنه، فمفاد الآية: من هو الجدير والحقيق بالعبادة، الذي يجيب المضطر إذا دعاه أم هو ما يشركون به حيث لا يقدرون على دفع الضرِّ عن أنفسهم فضلاً عن دفع الضرِّ عن غيرهم.

 

﴿أَمَّنْ﴾ مركبٌ من "أم" المنقطعة واسم الموصول: فقوله: ﴿أَمَّنْ﴾ مركبٌ من كلمتين، الكلمة الأولى حرف "أم" وهي حرف عطف يُعبَّر عنها بأم المنقطعة في مقابل "أم" المتصلة المسبوقة بجملةٍ مصدَّرة بهمزة الاستفهام مثل أجاء زيد أم عمرو، فكلمة "أم" في هذه الجملة متَّصلة لكونها مسبوقة بهمزة الاستفهام، وأمَّا كلمة "أم" في الآية فهي غير مسبوقة بهمزة استفهام لذلك فهي "أم" المنقطعة المفيدة لمعنى بل والتي يُؤتى بها للإضراب تمهيداً للانتقال من حديث إلى آخر.

 

وأمَّا كلمة "مَن" فهي اسم موصول -بمعنى الذي- وهي مبتدأ وجملة ﴿يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ صلة الموصول، وخبر المبتدأ محذوف وتقديره خيرٌ أم ما يشركون، وعُلم ذلك من الآيات التي سبقت الآية، فالآيات بدأت بقوله تعالى: ﴿آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾(2) فاسمُ الجلالة في الآية مبتدأ وخبرُه خيرٌ أم ما يشركون ثم قال تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ..﴾(3) ومعناه: الذي خلق السماوات والأرض خيرٌ أمَّا يشركون؟ ثم قال تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا ..﴾(4) ومعناه الذي جعل الأرض قراراً خيرٌ أما يشركون؟ ثم قال تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ فمعناه الذي يجيب المضطر خيرٌ أما يشركون؟

 

ومِن ذلك يتَّضح منشأ تصدير الآيات بأم التي هي بمعنى بل المفيدة للإضراب الانتقالي، فالآيات بدأت بقوله تعالى: ﴿آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ثم انتقلت إلى الحديث عن خلق الله للسماوات والأرض لذلك قالت بل مَن خلق السماوات والأرض ثم انتقلت إلى الحديث حول جعل الله الأرض قراراً فقالت بل مَن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً، ثم انتقلت إلى الحديث حول إجابة دعوة المضطر وكشف السوء عنه فقالت بل مَن يُجيب المضطر ومَن يكشف السوء، فتصدير الآيات بكلمة "أم" نشأ عن كونها مفيدة لمعنى "بل" التي يُمهَّد بها للانتقال إلى موضوع آخر.

 

الآية سِيقت بصيغة استفهام التقرير:

 

وكيف كان فقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ سيق بصيغة الاستفهام التقريري، فهو استفهام يُراد منه حمل المخاطَب على الإقرار وذلك لبداهة الجواب، فمفاد الآية: الذي يجيب المضطر خيرٌ وجدير بالعبادة أم هو ما تشركون به من أوثانٍ حيث لا يقدرون على دفع الضرِّ عن أنفسهم فضلاً عن دفع الضرِّ عنكم. فهو استفهام للتقرير المُفضي للتنبُّه ويستبطنُ في ذات الوقت التبكيت والتوبيخ للمشركين حيث اتَّخذوا لأنفسهم معبوداتٍ مزعومة عاجزة عن تدبير شؤونها فضلاً عن تدبير شؤون غيرها. لذلك ذُيِّلت الآية بقوله تعالى: ﴿أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾(5).

 

المراد من المضطر في الآية:

 

وأمَّا المراد من المضطر فهو مَن وقع في شدَّة يعسرُ رفعها أو يعسرُ تحصيل الخلاص منها أو من تبعاتها، وهو مشتقٌّ من الضرورة، وليس من الضر، فالمضطر هو ذو الضرورة، ولذلك ليس له فعل مجرَّد بل يُقال اضطر يضطر اضطراراً على وزن افتعل يفتعل افتعالاً، ويقع المضطر وصفاً للفاعل كما يقع وصفاً المفعول، فإذا قيل اضطر زيدٌ عمراً فزيدٌ مضطر فهو اسم فاعل، ويُقال اضطره الفقرُ إلى السؤال فهو مضطر أي اسم مفعول.

 

وعلى أيِّ تقدير فالمضطر يُطلق عرفاً على مَن أصابته ضرورة تسلب أو تكادُ تسلب عنه الاختيار، وكذلك يُطلق على مَن وقع في شدَّة ونزلت به بعضُ نوازل الدهر مِن فقرٍ مذقع أو مخمصةٍ أو مرضٍ عضال أو ملاحقة سلطان جائر أو سبُعٍ ضارٍ أو عدوٍّ قاهر أو ما أشبه ذلك من نوازل الدهر.

 

لماذا خصَّت الآية المضطر بالاستجابة:

 

هذا وقد أفادت الآية أنَّ الله تعالى يُجيب المضطر إذا دعاه يعني يستجيب للمضطر إذا فزع إليه بالدعاء فيدفع عنه أسباب الاضطرار فيؤمِّنه إذا كان خائفاً مرعوباً، ويشفيه إذا كان مريضاً مدنفاً، ويُغنيه إذا كان فقيراً مُقتَّراً عليه رزقُه، ويفكُّ أسره لو كان محبوساً مضيَّقاً عليه حبسه، وإنَّما خصَّ الله تعالى المضطر بالاستجابة -رغم أنَّه جلَّ وعلا يستجيبُ كذلك لدعاء غير المضطر -لأنَّ المضطر- نظراً لحاجته الملحَّة ورغبته الأكيدة في الخلاص من الكرب الذي أحاط به- يكون أشدَّ انقطاعاً وخضوعاً وأصدقَ في دعائه وأكثرَ إخلاصاً من غير المضطر الذي قد يُساوره الشعور بالقدرة على إنجاز مطلوبه من طريقٍ آخر أو يكون عدم الاضطرار صارفاً له عن الإقبال التام حين الدعاء أو لا يجدُ في نفسِه نظراً لعدم اضطراره ما يبعثه على الإقبال التام حين أدائه للدعاء، وهذا بخلاف المضطر فإنَّ اضطراره للخلاص ممَّا ألمَّ به يكون باعثاً له على الإقبال والصدق في الطلب والانقطاع عن الأسباب، وتلك هي شرائط الاستجابة أو قل هي مقوِّمات تحقُّق الدعاء، فالدعاء المجرَّد عن الإقبال والصدق والانقطاع ليس هو الدعاء الذي وعد اللهُ تعالى بإجابته وإنَّما هو صورة دعاء. ولهذا لا يكون مثل هذا الدعاء الصوري جديراً بالاستجابة. نعم قد يستجيبُ اللهُ تعالى لمثل هذا الدعاء استصلاحاً لعبده، وتثبيتاً لإيمانه، وترويضاً له على اللجأ إليه في مُطلق ما يهمُّه ويرغب فيه.

 

لام المضطر للاستغراق أو الجنس:

 

ثم إنَّ الظاهر من الآية المباركة أنَّ الله تعالى يستجيب للمضطر إذا دعاه بمعنى أنَّ الألف واللام في المضطر للاستغراق، فكلُّ مضطر يدعو ربَّه لرفع أسباب الاضطرار عنه فإنَّ الله تعالى يستجيبُ دعاءه، ومن هنا قد يُقال إنَّ ثمة الكثير من المضطرين يدعون ربَّهم فلا يُستجاب لهم، فمِن هذه القرينة يتعيَّن استظهار أنَّ الألف واللام في المضطر ليست للاستغراق وإنَّما هي للجنس، واللام حين تكون للجنس فإنَّ مدخولها يتحقَّق بواحدٍ من أفراده، فإذا قيل جاء الأسد فإنَّ ذلك يصدق بمجيء فردٍ منه، وعليه فمفادُ الآية هو أنَّ الله تعالى يستجيب لجنس المضطر وهذا يتحقَّق بالاستجابة لبعض أفراد المضطر، فلا يتوقَّف الصدق على الاستجابة لعامَّة أفراد المضطر، فمدلول الآية كما قيل هو أنَّ الله يستجيبُ دعاء المضطر في الجملة لا بالجملة.

 

الظاهر من الآية أن لام المضطر للاستغراق:

 

إلا أنَّ ذلك لا يصحُّ ظاهراً -كما أفاد العلامة الطبأطبائي(6)- فإنَّ المستظهَر من مساق الآية أنَّ اللام للاستغراق وأنَّ الله تعالى يستجيبُ لمطلق المضطر إذا فزع إلى ربِّه بالدعاء، ودعوى أنَّنا نجدُ الكثير من المضطرين يدعون ربَّهم فلا يُستجاب لهم، هذه الدعوى غير قابلةٍ للإثبات، فإنَّ إثباتها يتوقَّف على أحراز أنَّ دعاءهم كان دعاءً صادقاً وحقيقيَّاً ولم يكن صوريَّاً، والدعاء الصادق الحقيقي هو الذي يكون متمحِّضاً لله تعالى، فالداعي حين يدعو وعينُه على الأسباب الظاهريَّة يرجو أنْ يتَّفق بعضُها فينجو من اضطراره، فدعاء مثل هذا الداعي ليس دعاءً متمحِّضاً لله، والآية أفادت أنَّ الله تعالى يستجيبُ دعاءَ الداعي إذا دعاه يعني إذا دعاه وحده منقطعاً إليه مُعرضاً عن مطلق الأسباب الظاهريَّة، أمَّا إذا دعا وقلبُه متعلِّق محضاً بشيء من الأسباب أو متعلِّقٌ بالله تعالى ومتعلِّقٌ في ذات الوقت بشيءٍ من الأسباب فدعاؤه ليس دعاءً لله تعالى بل هو دعاء لغيره أو له ولغيره، وشرطُ الاستجابة -بحسب الآية- هو أنْ يكون الدعاء لله وحده لا شريك له. فهذا هو مفاد قوله تعالى: ﴿يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ وهو مفاد قوله تعالى: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾(7) وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(8) فمفاد هذه الآيات أنَّه تعالى يستجيبُ دعاء من دعاه هو وليس غيره.

 

تصدير الدعاء بتلاوة هذه الآية المباركة:

 

وأمَّا استحباب تصدير الدعاء بتلاوة هذه الآية المباركة فلم أجد في النصوص ما يدلُّ عليه بالخصوص، نعم يمكن البناء على رجحان ذلك ومحبوبيته باعتبار أنَّ تلاوة هذه الآية تتضمن الثناء على الله تعالى، وقد ورد في رواياتٍ مستفيضة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) الحثُّ على تصدير الدعاء بالثناء على الله تعالى وتمجيده:

 

فمن ذلك: صحيحة الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: "إِيَّاكُمْ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ رَبِّه شَيْئاً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ حَتَّى يَبْدَأَ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ والْمَدْحِ لَه والصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ (ص) ثُمَّ يَسْأَلَ اللَّه حَوَائِجَه"(9).

 

ومنها: موثقة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): "إِنَّ فِي كِتَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ص إِنَّ الْمِدْحَةَ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا دَعَوْتَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ فَمَجِّدْه قُلْتُ كَيْفَ أُمَجِّدُه قَالَ تَقُولُ - يَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ يَا فَعَّالاً لِمَا يُرِيدُ يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وقَلْبِه يَا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الأَعْلَى يَا مَنْ هُوَ لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ"(10).

 

ومنها: معتبرة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "إِنَّمَا هِيَ الْمِدْحَةُ ثُمَّ الثَّنَاءُ ثُمَّ الإِقْرَارُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ .. "(11).

 

ومنها: معتبرة الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): "إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَدْعُوَ فَمَجِّدِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ واحْمَدْه وسَبِّحْه وهَلِّلْه وأَثْنِ عَلَيْه وصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وآلِه ثُمَّ سَلْ تُعْطَ"(12).

 

ومنها: صحيحة عِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): "إِذَا طَلَبَ أَحَدُكُمُ الْحَاجَةَ فَلْيُثْنِ عَلَى رَبِّه ولْيَمْدَحْه .. فَإِذَا طَلَبْتُمُ الْحَاجَةَ فَمَجِّدُوا اللَّه الْعَزِيزَ الْجَبَّارَ وامْدَحُوه وأَثْنُوا عَلَيْه .."(13).

 

الدعاء بـ "يا مَن يُجيب المضطر إذا دعاه":

هذا ويُمكن الدعاء بالقول: "يا مَن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشفُ السوء" لورود ذلك في بعض الأدعية المأثورة كالذي أورده في طبِّ الأئمة (ع) بسنده عن أبي جعفر (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): ".. واستنقذني مِن الهلكة فإنِّي قد أشفيتُ عليها، ولا أجدُ لخلاصي منها غيرَك، يا الله يا مَن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشفُ السوء، ارحمني واكشفْ ما بي من غمٍّ وكربٍ ووجعٍ وداء، ربِّ إنْ لم تفعل لم أرجُ فرجي من عند غيرِك، فارحمني يا أرحمَ الراحمين .."(14).

فالدعاء بـ: "يا مَن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشفُ السوء" ممَّا لا محذور فيه لوروده في بعض الأدعية المأثورة ولكنَّه يكون من الدعاء وليس من القرآن المجيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- سورة النمل / 62.

2- سورة النمل / 59.

3- سورة النمل / 60.

4- سورة النمل / 61.

5- سورة النمل / 62.

6- تفسير الميزان -السيد الطباطبائي- ج15 / ص381.

7- سورة البقرة / 186.

8- سورة غافر / 60.

9- الكافي -الكليني- ج2 / ص484، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج7 / ص79.

10- الكافي -الكليني- ج2 / ص484، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج7 / ص80.

11- الكافي -الكليني- ج2 / ص484، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج7 / ص80.

12- الكافي -الكليني- ج2 / ص485، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج7 / ص81.

13- الكافي -الكليني- ج2 / ص485، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج7 / ص80.

14- طب الأئمة (ع) -عبد الله وحسين بن سابور الزيات- ص26.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد