ليس المقصود من عالم الشهادة؛ الاستشهاد والقتل في سبيل الله، بل إنّ عالم الشهادة أو عالم الدنيا هو الذي يقابله عالم الغيب أو العالم الذي لا نراه.
تتحدث الروايات، وآراء العرفاء والمفسرين عن فاطمة الزهراء (ع)، هذا الموجود الإلهي العظيم، بدءًا من ولادتها التي كانت سرًّا من الأسرار وارتبطت فيها كل الدنيا، ودنيا النبي محمد (ص) بالآخرة، وبالإطعام من ثمار الجنة ورزقها، حتى شهادتها.
ومن الأسرار التي حفّت بالسيدة الزهراء (ع) اسم “الكوثر”، الذي أطلقه الله عليها، وهو يعني الخير الكثير. وهنالك فارق ما بين خير يقع كاملًا في كمية ونوعية معينة، وبين خير رغم كل مداه الواسع وعظمته يتجدّد يومًا بعد يوم، ولا يقف عند حدّ. فالكوثر هو الخير الكثير المتجدّد على الدوام. وهي مفتاح أسرار كل هذا الوجود الإنساني العظيم من حولنا المتمثّل بأسرة النبي محمد (ص). حتى أنّ وفاتها وشهادتها بقيت سرًّا من الأسرار، ولعل الوحيد القادر والمؤهل أن يفك للناس السر في دفنها وأين هو قبرها، هو القائم من آل محمد (عج).
فاطمة الزهراء تجلٍّ من تجليات الرحمة الإلهية المحمدية.
قبل الحديث عن الطريقة التي ينبغي أن نتعامل بها مع هذا السرّ العظيم في عالم الشهادة، أرى من الضروري أن أشير إلى أمر يرتبط بكل شيء من حولنا، وكل ما في هذا العالم بأرضه وسمائه وشمسه وقمره وتبدّل فصوله وبرودته وحرارته وموجوداته ومخلوقاته، هو عبارة عن آيات، لو تأملتها الناس لرأت فيها العظمة. البعض يتعامل مع ما حولهم كالأنعام فقط بما يحقق مصالحهم، ويصبح لما يحيط بهم قيمة عندما يؤمن لهم مصلحة ومكسبًا ويستفيدون منه. بينما البعض الآخر يرى في الكون أسرار العظمة ومضامينها وأبعادها. يرى عظمة الوجود والموجد والخالق والقدرة الإلهية والعلم الإلهي والرحمة والإحاطة والنعم الإلهية، بحيث أن تتحوّل كل الأشياء من حولهم إلى آيات.
والآية هي علامة تشير إلى حقيقة ما. وهي تشير عند أهل الإيمان وعند شيعة محمد وآل محمد إلى حقيقة هي الله، أنّه الواحد. فإذا نظرت إلى النبتة ترى فيها حقيقة اسمها الله الذي أوجدها. وإذا تأمّلت بالكون تجده عظيمًا وتقول عن الباري ما أعظمه.
والمتأمّل لهذا الكون قد يرى عظمة أمر كبير جدًّا، ثم لشدة عظمته لا يعود يراه هو، بل يرى الحقيقة التي كانت خلفه. كأنّما الذي ينظر إلى العالم ينظر إلى الله. وتكتشف أنك لا ترى إلا الله من خلال هذا الموجود العظيم وحقيقته الذي هو الإنسان. فإذا كان صافيًا في كل كرامته الإنسانية ولم يلوّث فطرته بحيث إذا نظرت إليه لا تفكر إلا بالله.
حدثتنا تفاسير الآيات والروايات إلى أنّ وجود رسول الله محمد (ص) هو أعظم ما في هذا الوجود. ثم إنّ رسول الله محمد يقول “فاطمة روحي التي بين جنبيّ”، لذلك بعض أصحاب أئمتنا كانوا يقولون لمن يعرف السيدة الزهراء (ع)، “من رأى فاطمة فقد رأى الله”. وهذا لا يعني الشرك بالله، بل لشفافية روحها وسموها؛ لأنّها كلّها لله عز وجل كان من ينظر إليها كأنّما نظر إلى الله.
لا شك بأنّ السر المودع في هذا الوجود هو السيدة الزهراء (ع). ولو خُيّرتُ بتسميتها لقلت أنّها كلّها الرحمة الإلهية، لأنّ الله يقول للنبي محمد: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، والنبي (ص) يقول: إنّها بضعة منه و “من آذاها فقد آذاني”، بناءً عليه هي رحمة محمد، ورحمة الله في العالمين.
أمر طبيعي أن يكون هذا الموجود السماوي وهذه النفحة في أرض الله. وكل شيء هو آية لله، لذلك لم نربّ أنفسنا أن ننظر بأعين قلوبنا كي نعرف قيمة الولاء لمحمد وفاطمة وعلي والحسن والحسين، وقيمة العلاقة والولاء للقائم من آل محمد (عج).
بناءً عليه، فالزهراء (ع) في حياة النبي محمد هي خير كثير. وفي حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وفي حياة أبنائها وبيئتها ومجتمعها هي خير كثير. ونحن نعتقد أنّ ما من خير نعيشه إلا في كنف السيدة الزهراء (ع).
لذلك يمكن أن نفسر الروايات الواردة عن النبي (ص) على نوعين:
الأول: الإنباء العاطفي، فالنبي (ص) الأب يحب ابنته الزهراء (ع)، والتعابير العاطفية التي يطلقها صادرة عن شيء يُتعقّل وعقلاني، عندما يقول: “فاطمة روحي التي بين جنبيّ من آذاها فقد آذاني”، “فاطمة بضعة مني”، فهو يقصد ما يقول، ويحبها إلى هذه الدرجة وتعني له عاطفيًّا. وهذا التفسير للبعد العاطفي لا يقلل من شأنها بشيء، بل يكشف عن طبيعة العلاقة الشخصية ما بينهما. إذن، حتى البُعد العاطفي عند النبي يمكن ترجمته لأنّه معصوم.
والثاني: الإنباء العقائدي. فيمكن أن نعتبر الروايات التي قالها النبي (ص) في حق الزهراء فاطمة (ع) هي من باب الإنباء العقائدي.
تأخذنا هذه الروايات إلى أنّ السيدة الزهراء هي في حقيقتها، حقيقة النور المحمدي العلوي الذي يسري في العالم قبل أن يخلق الله الخلق. وأنّ الله عز وجل أوجد العالم من أجل الكمال الذي يقع في محمد وآل محمد (ص)، وهذا النور الذي يسري في العالم يحرّكه نحو كماله، فلا يوجد كمال بدون فاطمة الزهراء ولا مقامات القرب من الباري عز وجل.
ثم إنّ العصمة التكوينية من عند الله للإنسان لا تختص لا بجنس ولا بعرق. كما أنّ السبيل والباب الذي فُتح على دماء أسرة رسول الله محمد هي فاطمة الزهراء (ع) وبدونها ما كان بالإمكان أن نتحدث عن آل محمد (ص).
يكفي بهذه الأمور معرفة عظمة الخير فيها (ع)، ورغم ذلك فإنّ أعظم الخير فيها هو هذه الرحمة الإلهية المحمدية.
ومن عناوين الرحمة الفاطمية: التربية على الولاء. الولاية هي أعظم ما يمكن فهمه من هذا الدين. ومن يراجع الخطابات الأخيرة للسيدة الزهراء (ع) قبل شهادتها، يجد أنّ الولاية هي الأصل الذي أسست عليه في نظرتها التوحيدية كل هذا الدين وعلاقة الناس بالله وبالدين.
حينما يُبحث في سبب استشهادها نرى أنّ ترك ولاية علي (ع) هو ترك لولاية محمد (ص) الأمر الذي لا علاقة له بكل النزاع التاريخي الحاصل حول من هو الخليفة؟ ورأينا واضح أنّه علي بن أبي طالب (ع) بعد رسول الله محمد بلا نزاع، وهو ولينا الحق. ومدرسة الزهراء (ع) هي مدرسة الولاية، والثبات على الولاية والتي منها يبزغ فجر القائم من آل محمد.
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
السيد عباس نور الدين
الشيخ فوزي آل سيف
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
القرآن وخلق العالم
مفهوم العبادة وحدّها
أملٌ وَشيك
من كان في هذه أعمى
السيد حسن النمر: من يحبهم الله ومن لا يحبهم (2)
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (8)
كانت الأحلام
جمعيّة ابن المقرّب تحتفي باليوم العالميّ للّغة العربيّة
طاهرة آل سيف و (رسائل متأخّرة) في أدبي جازان
طريق ثبوت القرآن منحصر بالتواتر